29 - 06 - 2024

إيقاع مختلف | من يمتطي ظهر الآخر؟

إيقاع مختلف | من يمتطي ظهر الآخر؟

(أرشيف المشهد)

1-12-2011 | 15:43

عجيب هو المزاج المصري، بل عجيب كل ما يتصل بالإنسان المصري من قريب أو من بعيد، هو شعب عبقري بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ، تقترب منه فيبدو لك سهلًا هينًا ميسور الفهم، حتى إذا ما اطمأننت إلى أنك قد أصبحت تفهمه فهمًا صحيحًا تامًا إذا به يفاجئك بآخر ما يمكن أن تنتظره منه، بل بما لا يمكن أن تنتظره منه.

في أسبوع واحد انتقل مزاجه العام من النقيض إلى النقيض، لا خفة وسطحية وبساطة، بل ثقة وعمقًا وغنى وثراء... منذ أقل من أسبوع كنت أبحث في قواميس اللغة العربية عن كلمات تعبر عن الغضب والحنق والثورة و التوتر والإحباط، و كأننا نعيش حالة من الاكتئاب القومي العام؛ إذ نرى الشهداء يتساقطون، و حبات عيون الوطن يفقدون حبات أعينهم في مشهد ثقيل الوطأة على أهل الوطن، فرادى وجماعات، و اليوم أرى الشعب يعيش حالة من الزهو العام، بحيويته وإيجابيته التي بدت في طوابير التصويت التي امتدت في كثير من الأحيان إلى كيلومترات، والتي ارتفعت إلى نسب قياسية لا في تاريخه هو بل في تواريخ الشعوب كافة.

ربما يلح على أصحاب النظرة العابرة سؤال: هل يعني هذا أن الوطن نسى شهداءه وجرحاه؟ وهل أصبح يحتفل بقدرته على التعامل بإيجابية مع حدث الانتخابات بدلًا من أن يتقبل العزاء في شهدائه ويسارع إلى تضميد جراح مصابيه؟

هو سؤال يبدو منطقيًا فقط حين لا تكون على دراية بطبيعة الشعب المصري، أما إذا كنت ممن تسامت نظرتهم إلى حدود عبقرية هذا الشعب المثير للعجب والإعجاب في آن معًا؛ فإنك ستدرك كيف أن هذا لا ينفصل عن ذاك.

نعم، أراد البعض أن تصبح الانتخابات بديلًا عن مواصلة المد الثوري، فإذا بهذا الشعب العبقري يحيل الانتخابات إلى واحد من تجليات المد الثوري، نعم تصور البعض أن الانغماس في الانتخابات قد يلهي الشعب عن شهدائه وجرحاه؛ فإذا بالشعب المعجز يجعل من الانتخابات دليلًا على أن تضحيات الشهداء والمصابين لم تذهب سدى، ولن تذهب سدى، فإذا كان صناع المشهد الذي نحياه اليوم قد غابوا بأجسادهم عنه كما قال صديقي مجدي شندي،  فإنهم – عندي – الأكثر حضورًا في المشهد كله.

كأني بالشعب المصري من أقصاه لأقصاه يقول لهم:" لن تذهب حيواتكم سدى، ولن تضيع تضحياتكم هباء، وممارسة الانتخابات لن تكون أبدًا بديلًا عن إكمال الشوط الذي بدأتموه، وصولًا إلى الغد الذي حلمتم به، و دفعتم أنفسكم من أجل شرائه".

ربما ينزعج البعض من مؤشرات النتائج، بحيث نسمع كلمات من قبيل:"هاهم الذين كانوا يعارضون الثورة و يكفرون الثائرين يجنون هم ثمارها، أو هاهم الذين لحقوا بقطار الثورة في آخر عرباته يتصدرون المشهد اليوم، و يقفزون على صهوة الجواد الثوري النبيل"، و لكني والله لا أشاركهم هذا الانزعاج الشديد؛ لسبب يبدو لي بسيطًا جدًا ساطعًا جدًا، وهو أن الثورة لم تقم من أجل أن يحظى صناعها بمقاعد كثيفة وثيرة في البرلمان، و إنما قامت من أجل تطهير الوطن وصنع غده الذي يستحقه، وهو ما لا يمكن أن يسرقه السارقون ولا يلتف عليه الملتفون.

هذا شعب أراد مصيره في يده، وسيبقى ممسكًا به، هذا شعب أراد أن يرسم غده بريشته هو، ولن يسمح لسواه بأن يرسمه نيابة عنه، وعلى الذين يحصلون على أصوات الشعب المصري أن يدركوا أنه إنما يختارهم مطية للوصول إلى الغد الذي يريده، لا سادة يمتطون ظهر ثورته للنكوص عن الغاية، وأنه إنما وضعهم على المحك وتحت الاختبار، لذلك فحتى لو جاءت النتائج النهائية مؤكدة للإحساس الذي شاع بعد إعلان النتائج الأولية -وهو ما لن يكون-  فإن هذا ليس مدعاة لأن يفرح فريق ويأسى آخر، فلا يقول هذا شعبي أكرمني ولا يقول ذلك شعبي أهانني، بل ليعلم هؤلاء و أولئك أنهم موضوعون تحت اختبار الشعب، وأنهم مفتونون بما أوتوا وبما فقدوا، فلا هذا يحق له أن يمضي بالمسيرة إلى ما يخالف توجه الشعب المصري الثائر، ولا ذاك يحق له أن يتوقف عن أداء دوره الثوري وممارسة رسالته الوطنية.

وسأعود بالكلمات إلى حيث بدأت: من اطمأن إلى أنه أحاط فهمًا بهذا الشعب العبقري إلى درجة أن يحتويه أو يغرر به فهو واهم، فدائمًا ما يفاجئك هذا الشعب بما لا يمكن لك أن تتوقعه. 

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان